فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{واللاتى يَأْتِينَ الفاحشة مِن نّسَائِكُمْ} شروع في بيان بعض الأحكام المتعلقة بالرجال والنساء إثر بيان أحكام المواريث، و{اللاتى} جمع التي على غير قياس، وقيل: هي صيغة موضوعة للجمع، وموضعها رفع على الابتداء، والفاحشة ما اشتد قبحه، واستعملت كثيرًا في الزنا لأنه من أقبح القبائح، وهو المراد هنا على الصحيح، والإتيان في الأصل المجيء، وفي [الصحاح] يقال: أتيته أتيًا قال الشاعر:
فاختر لنفسك قبل أتى العسكر

وأتوته أتوة لغة فيه، ومنه قول الهذلي:
كنت إذا أتوته من غيب

وفي [القاموس] أتوته أتوة وأتيته أتيًا وإتيانًا وإتيانه بكسرهما، ومأتاة وإتيا كعتى، ويكسر جئته، وقد يعبر به كالمجيء والرهق والغشي عن الفعل، وشاع ذلك حتى صار حقيقة عرفية، وهو المراد هنا فالمعنى يفعلن الزنا أي يزنين، والتعبير بذلك لمزيد التهجين، وقرأ ابن مسعود {يَأْتِينَ} فالإتيان على أصله المشهور، و{صَلَحَ مِنْ} متعلقة بمحذوف وقع حالًا من فاعل {يَأْتِينَ} والمراد من النساء كما قال السدي وأخرجه عنه ابن جرير النساء اللاتي قد أنكحن وأحصن، ومثله عن ابن جبير {فاستشهدوا} أي فاطلبوا أن يشهد {عَلَيْهِنَّ} بإتيانهن الفاحشة {أَرْبَعةً مّنْكُمْ} أي أربعة من رجال المؤمنين وأحرارهم قال الزهري: مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود، واشترط الأربعة في الزنا تغليظًا على المدعي وسترًا على العباد، وقيل: ليقوم نصاب الشهادة كاملًا على كل واحد من الزانيين كسائر الحقوق ولا يخفى ضعفه، والجملة خبر المبتدأ والفاء مزيدة فيه لتضمن معنى الشرط، وجاز الإخبار بذلك لأن الكلام صار في حكم الشرط حيث وصلت اللاتي بالفعل قاله أبو البقاء وذكر أنه إذا كان كذلك لم يحسن النصب على الاشتغال لأن تقدير الفعل قبل أداة الشرط لا يجوز، وتقديره بعد الصلة يحتاج إلى إضمار فعل غير فاستشهدوا لأنه لا يصح أن يعمل النصب في {اللاتى}، وذلك لا يحتاج إليه مع صحة الابتداء وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره اقصدوا اللاتي أو تعمدوا، وقيل: الخبر محذوف والتقدير فيما يتلى عليكم حكم اللاتي، فالجار والمجرور هو الخبر وحكم هو المبتدأ فحذفا لدلالة فاستشهدوا لأنه الحكم المتلو عليهم، والخطاب قيل: للحكام، وقيل: للأزواج.
{فَإِن شَهِدُواْ} عليهن بالإتيان.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ} أي فاحبسوهن عقوبة لهن {فِى البيوت} واجعلوها سجنًا عليهن {حتى يَعْقُوبَ الموت} المراد بالتوفي أصل معناه أي الاستيفاء وهو القبض تقول: توفيت مالي على فلان واستوفيته إذا قبضته.
وإسناده إلى الموت باعتبار تشبيهه بشخص يفعل ذلك فهناك استعارة بالكناية والكلام على حذف مضاف، والمعنى حتى يقبض أرواحهن الموت ولا يجوز أن يراد من التوفي معناه المشهور إذ يصير الكلام بمنزلة حتى يميتهن الموت ولا معنى له إلا أن يقدر مضاف يسند إليه الفعل أي ملائكة الموت، أو يجعل الإسناد مجازًا من إسناد ما للفاعل الحقيقي إلى أثر فعله.
{أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلًا} أي مخرجًا من الحبس بما يشرعه من الحدّ لهن قاله ابن جبير وأخرج الإمامان الشافعي وأحمد وغيرهما عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك واربدّ وجهه، وفي لفظ لابن جرير يأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك فأنزل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة» وروى ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال: كانت المرأة أول الإسلام إذا شهد عليها أربعة من المسلمين عدول بالزنا حبست في السجن فإن كان لها زوج أخذ المهر منها ولكنه ينفق عليها من غير طلاق وليس عليها حد ولا يجامعها.
وروى ابن جرير عن السدي كانت المرأة في بدء الإسلام إذا زنت حبست في البيت وأخذ زوجها مهرها حتى جاءت الحدود فنسختها، وحكاية النسخ قد وردت في غير ما طريق عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ورويت عن أبي جعفر، وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما، والناسخ عند بعض آية الجلد على ما في سورة النور وعند آخرين إن آية الحبس نسخت بالحديث، والحديث منسوخ بآية الجلد، وآية الجلد بدلائل الرجم.
وقال الزمخشري: من الجائز أن لا تكون الآية منسوخة بأن يترك ذكر الحدّ لكونه معلومًا بالكتاب والسنة، ويوصي بإمساكهن في البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال، ويكون السبيل على هذا النكاح المغني عن السفاح، وقال الشيخ أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: إنه لم يحصل النسخ في الآية ولا في الحديث وذلك أن الآية تدل على أن إمساكهن في البيوت ممدود إلى غاية أن يجعل الله تعالى لهن سبيلًا ثم إن ذلك السبيل كان مجملًا فلما قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني» إلى آخر ما في الحديث صار ذلك بيانًا لما في تلك الآية لا ناسخًا له، وصار مخصصًا لعموم آية الجلد، وقد تقدم لك في سورة البقرة ما ينفعك في تحقيق هذا المقام فتذكره. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال عليه الرحمة:
موقع هذه الآية في هذه السورة معضل، وافتتاحها بواو العطف أعضل، لاقتضائه اتّصالها بكلام قبلها.
وقد جاء حدّ الزنا في سورة النور، وهي نازلة في سنة ست بعد غزوة بني المطلق على الصحيح، والحكم الثابت في سورة النور أشدّ من العقوبة المذكورة هنا، ولا جائز أن يكون الحدّ الذي في سورة النور قد نسخ بما هنا لأنّه لا قائل به.
فإذا مضينا على معتادنا في اعتبار الآي نازلة على ترتيبها في القراءة في سورها، قلنا إنّ هذه الآية نزلت في سورة النساء عقب أحكام المواريث وحراسة أموال اليتامى، وجعلنا الواو عاطفة هذا الحكم على ما تقدّم من الآيات في أوّل السورة بما يتعلّق بمعاشرة النساء، كقوله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4] وجزمنا بأنّ أوّل هذه السورة نزل قبل أوّل سورة النور، وأنّ هذه العقوبة كانت مبدأ شرع العقوبة على الزنا فتكون هاته الآية منسوخة بآية سورة النور لا محالة، كما يدلّ عليه قوله: {أو يجعل الله لهن سبيلًا} قال ابن عطية: أجمع العلماء على أنّ هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور.
وحكى ابن الفرس في ترتيب النسخ أقوالًا ثمانية لا نطيل بها.
فالواو عاطفة حكم تشريع عقب تشريع لمناسبة: هي الرجوع إلى أحكام النساء، فإنّ الله لمّا ذكر أحكامًا من النكاح إلى قوله: {وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة} وما النكاح إلاّ اجتماع الرجل والمرأة على معاشرة عمادها التأنّس والسكون إلى الأنثى، ناسب أن يعطف إلى ذكر أحكام اجتماع الرجل بالمرأة على غير الوجه المذكور فيه شرعًا، وهو الزنا المعبّر عنه بالفاحشة.
فالزنا هو أن يقع شيء من تلك المعاشرة على غير الحال المعروف المأذون فيه، فلا جرم أن كان يختلف باختلاف أحوال الأمم والقبائل في خرق القوانين المجعولة لإباحة اختصاص الرجل بالمرأة.
ففي الجاهلية كان طريق الاختصاص بالمرأة السبي أو الغَارة أو التعويض أو رغبة الرجل في مصاهرة قوم ورغبتهم فيه أو إذن الرجل امرأته بأن تستبضع من رجل ولدًا كما تقدّم.
وفي الإسلام بطلت الغارة وبطل الاستبضاع، ولذلك تجد الزنا لا يقع إلاّ خفية لأنّه مخالفة لقوانين الناس في نظامهم وأخلاقهم.
وسمّي الزنا الفاحشة لأنّه تجاوز الحدّ في الفساد وأصل الفحش الأمر الشديد الكراهية والذمّ، من فعلٍ أو قولٍ، أو حالٍ ولم أقف على وقوع العمل بهاتين الآيتين قبل نسخهما.
ومعنى: {يأتين} يَفْعَلْن، وأصل الإتيان المجيء إلى شيء فاستعير هنا الإتيان لفعل شيء لأنّ فاعل شيء عن قصد يُشبه السائر إلى مكان حتّى يَصله، يقال: أتى الصلاة، أي صَلاها، وقال الأعشى:
لِيَعْلَمَ كلُّ الورى أنّني ** أتَيْتُ المُرُوءَةَ من بابها

وربما قالوا: أَتى بفاحشة وبمكروه كأنّه جاء مُصَاحبًا له.
وقوله: {من نسائكم} بيان للموصول وصلته.
والنساء اسم جمعِ امرأة، وهي الأنثى من الإنسان، وتطلق المرأة على الزوجة فلذلك يطلق النساء على الإناث مطلقًا، وعلى الزوجات خاصّة ويعرف المراد بالقرينة، قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم} [الحجرات: 11] ثم قال: {ولا نساء من نساء} [الحجرات: 11] فقابل بالنساء القومَ.
والمراد الإناث كلهنّ، وقال تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين} [النساء: 11] الآية المتقدّمة آنفًا والمراد هنا مطلق النساء فيشمل العذارى العَزَبَاتتِ.
وضمير جمع المخاطبين في قوله: {من نسائكم} والضمائر المُوالية له، عائدة إلى المسلمين على الإجمال، ويتعيّن للقيام بما خوطبوا به مَنْ لهم أهلية القيام بذلك.
فضمير {نسائكم} عامّ مراد به نساء المسلمين، وضمير {فاستشهدوا} مخصوص بمن يهمّه الأمر من الأزواج، وضمير {فأمسكوهن} مخصوص بولاة الأمور، لأنّ الإمساك المذكور سجن وهو حكم لا يتولاّه إلاّ القضاة، وهم الذين ينظرون في قبول الشهادة فهذه عمومها مراد به الخصوص.
وهذه الآية هي الأصل في اشتراط أربعة في الشهادة على الزنى، وقد تقرّر ذلك بآية سورة النور.
ويعتبر في الشهادة الموجبة للإمساك في البيوت ما يعتبر في شهادة الزنى لإقامةِ الحدّ سواء.
والمراد بالبيوت البيوت التي يعيّنها ولاة الأمور لذلك.
وليس المراد إمساكهن في بيوتهنّ بل يُخرجن من بيوتهنّ إلى بيوت أخرى إلاّ إذا حُوّلت بيت المسجونة إلى الوضع تحت نظر القاضي وحراسته، وقد دلّ على هذا المعنى قوله تعالى في آية سورة الطلاق عند ذكر العدّةِ: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق: 1].
ومعنى {يتوفاهن الموت} يتقاضاهن.
يقال: تَوَفَّى فلان حقَّه من فلان واستوفاه حقّه.
والعرب تتخيّل العمر مجزّءًا.
فالأيام والزمانُ والموتُ يستخلصه من صاحبه منجَّما إلى أن تتوفّاه.
قال طرفة:
أرى العمر كَنزا ناقصا كلّ ليلة ** وما تَنْقُصْ الأيامُ والدهرُ ينفَدِ

وقال أبو حيّة النميري:
إذا ما تقاضى المرءَ يومٌ وليلة ** تَقاضاه شيء لا يَمَلُّ التقاضيا

ولذلك يقولون تُوفيِّ فلان بالبناء للمجهول أي توفَّى عُمُرَهُ فجعل الله الموت هو المتقاضي لأعمار الناس على استعمالهم في التعبير، وإن كان الموت هو أثَرُ آخر أنفاس المرء، فالتوفيّ في هذه الآية وارِد على أصل معناه الحقيقي في اللغة.
ومعنى {أو يجعل الله لهن سبيلًا} أي حكمًا آخر.
فالسبيل مستعار للأمر البيّن بمعنى العقاب المناسب تشبيها له بالطريق الجادّة.
وفي هذا إشارة إلى أنّ إمساكهنّ في البيوت زجر موقّت سيعقبه حكم شاف لما يَجده الناس في نفوسهم من السخط عليهنّ ممّا فَعَلْنَ. ويشمل قوله: {والّاتي يأتين الفاحشة} جميع النساء اللائي يأتين الفاحشة من محصنات وغيرهنّ. اهـ.

.من فوائد السبكي:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا}.
أَقُولُ أَوْ هَاهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى يَتَوَفَّاهُنَّ فَيَكُونُ الإِمْسَاكُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُغَيًّا بِإِحْدَى غَايَتَيْنِ: الْمَوْتِ أَوْ جَعْلِ السَّبِيلِ، وَجَعْلُ السَّبِيلِ إمَّا مَشْرُوعِيَّةُ الْحَدِّ وَإِمَّا نَفْسُ الْحَدِّ وَعَلَى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ فَتَسْمِيَتُهُ فِيهِ تَجُوزُ، وَلا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الأَمْرِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لا تَكُونَ أَوْ عَاطِفَةً بَلْ تَكُونُ بِمَعْنَى إلا أَنْ وَتَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الأَمْرِ بِإِمْسَاكِهِنَّ، كَأَنَّهُ قَالَ أَمْسِكُوهُنَّ فِي كُلِّ حَالٍ إلا أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا فَلا نَكُونُ مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ. وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَعْنَيَيْنِ عِنْدِي. وَلَيْسَ بِنَسْخٍ أَيْضًا، لأَنَّ النَّسْخَ شَرْطُهُ أَنْ لا يُبَيِّنَ غَايَتَهُ فِي الأَوَّلِ لا مُعَيَّنَةً وَلا مُبْهَمَةً، لَكِنَّهُ يُشْبِهُ النَّسْخَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ غَايَتَهُ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً انْتَهَى. تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وَقَدْ كَتَبْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاةِ. اهـ.